محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
يعلم الجميع أن مبدأ التزوير هو ركن أصيل فى النظام السياسي المصري منذ عقود طويلة .
وتتواءم المعارضة مع هذه الحقيقة رغما عن أنفها .
فللحكومة فى كل دورة ما يقرب من 350 مقعدا أو يزيد .
تأخذهم بطريقتها .
والباقي يقبل الأخذ والعطاء .
وعلى هذا الأساس تدور وتدار الانتخابات كل خمس سنوات ، بمشاركة و إذعان الجميع .
فما الجديد هذه المرة ؟
الجديد هو حالة التزوير الشامل الكامل ، على وجه لم يحدث منذ انتخابات 1979 التى تمت بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد وحل مجلس 1976.
تزوير فى كل الدوائر ، ضد كل الأطراف والقوى والشخصيات والأحزاب .
تزوير لم يستثن أحدا .
تزوير يحصد 99 % من مقاعد المجلس .
وهو ما يستدعى منا التوقف قليلا لفهم الحكاية ، ولماذا قرروا أن يفعلوها هكذا ؟
* * *
فى ذلك أتصور انه يمكن تحديد أهدافهم ونواياهم هذه المرة فيما يلى :
1) ضمان ترشيح رئاسى مريح وآمن للرئيس مبارك فيما لو أمد الله فى عمره .
• وضمان احتياطي لترشيح مريح و آمن للابن الوريث فيما لو حدثت مفاجآت صحية للأب الرئيس .
• وكذلك ضمان انتقال و تسليم هادئ للسلطة فيما لو أصاب الرئيس أى سوء بعد التجديد له .
* * *
2) التخلص من باقى آثار المرحلة الماضية التى بدأت باحتلال العراق وما سببه من تفجير طاقات غضب ورفض كبيرة ، تزامنت مع الضغوط الأمريكية لإدارة بوش على النظام لتقديم بعض التنازلات الديمقراطية الداخلية ، كان على رأسها تخفيف حدة التزوير فى انتخابات 2005 ، مما أسفر مع عوامل أخرى عن :
• سيطرة المعارضة على ما يقرب من ربع مقاعد البرلمان لأول مرة منذ زمن بعيد .
• و تنامى وصعود قوة وتأثير الإخوان المسلمين .
• و ميلاد عدد من حركات التغيير الأكثر جرأة فى معارضة النظام .
• بالإضافة الى ظهور حركات احتجاج شعبية مطلبية فى الشارع لأول مرة.
• كما أسفر بشكل عام عن رواج غير مسبوق لخطاب معارض معادى للنظام فى معظم الأروقة السياسية والإعلامية والثقافية .
• وكلها أمور لم يكن من الممكن أن يسمح بها النظام فى الظروف العادية ، وقد آن الأوان لإعادة الأمور الى ما كانت عليه طبقا للأمر العسكري الشهير (((كما كنت )))
و الفرصة الآن سانحة فى ظل إدارة أوباما التى لا تضغط على النظام بما فيه الكفاية ، بسبب التنسيق معه فى قضايا أهم . و بسبب الخوف من نجاح التيار الاسلامى المعادى للغرب .
كما يتوجب انجاز هذه المهمة قبل انتهاء مدة هذه الادارة ، وعودة المحافظين الجدد المحتملة برذالتهم وضغوطهم وأوامرهم التى يجب أن تطاع .
على ان تكون تصفية المعارضة من البرلمان هى مقدمة لحملات أخرى متوقعة لتصفية باقى آثار المرحلة الماضية فى الساحات الإعلامية والسياسية والشعبية ، ومطاردة فلول المعارضين .
وكل ذلك سيتطلب سياسة جريئة و قاسية و عنيفة ، بسبب الصعوبات المعتادة فى إلغاء اى حقوق مكتسبة ومستقرة .
فلابد منذ البداية من ذبح بضعة قطط للمعارضة ، وأول قطة هى طردها من البرلمان .
* * *
3) ومن أهداف التزوير أيضا تخفيف حدة المعارضة تحت القبة ، لتخفيف حجم الأعباء والجهود التى كانت تبذل للتصدى لها .
* * *
4) و فتح الباب لرجال الأعمال والنظام لاستعادة حريتهم الكاملة فى تمرير ما يرغبون فيه من تشريعات وسياسات تخدم مصالحهم بدون تعقيب ولا معقبين ولا ضوضاء سياسى أو اعلامى .
* * *
5) ثم انه استعراض مفيد للقوة أمام الخارج ، يُظهر أن النظام فى كامل لياقته وقادر على فرض سيطرته الكاملة على كل صغيرة وكبيرة فى البلد .
مع الإدعاء بضآلة و ضعف كل حركات وجماعات الإصلاح والتغيير التى ظهرت فى الفترة الأخيرة بما فيها الإخوان ، وان لا حول لهم ولا قوة أمام جبروت النظام وقوته ، وهو ما يحمل رسالة ضمنية او صريحة للخارج بأن يكف عن تقديم أى دعم للمعارضة أو الرهان على أي منها ، وان يدرك أن مصلحته الكاملة مع النظام الحالى ورجالاته .
* * *
6) بالإضافة الى ذلك فان التزوير الشامل يساعد النظام على توزيع أكبر عدد من المقاعد على رجاله وأنصاره الكثيرين ، كهبات و إقطاعيات لضمان الولاء ، وتبادل المصالح ، والحفاظ على تماسك الحلف الحاكم والمسيطر ، وربما أيضا لتحصيل مقابل شراء المقاعد البرلمانية بأموال طائلة . وحيث أن عدد مقاعد المجلس محدودة ، فانه يجب عدم التفريط فى أى منها لهذا المعارض أو ذاك ، فهو هدر للإمكانيات المتاحة ، وتنازل بلا مقابل .
* * *
7) و بالإضافة الى ذلك فان إسقاط المعارضة له فوائد أمنية جمة مثل تجريدها من الحصانات القانونية لمقرات نوابها البرلمانيين ، التى كان لها دور كبير فى الخمس سنوات الماضية فى تفعيل الحراك السياسى والشعبى .
* * *
8) وأيضا التمكن من القيام بحملة متوقعة من الثأر و الـتأديب ، لكل من تجرأ فى الدورة البرلمانية السابقة فى التصدي للحكومة والحزب ورجالهم ، حتى يتعظ الآخرين فى المرات القادمة . حملات على وزن حملة أيمن نور بعد انتخابات الرئاسة أو الأحكام العسكرية لخيرت الشاطر وإخوانه .
* * *
9) وأتصور أن أصحاب قرار التزوير الشامل الكامل لم يعبأوا بردود الفعل المتوقعة خارجيا وداخليا لعدة أسباب : أولها أنه يعلمون جيدا الأجندة الحقيقية للأمريكان ويعلمون دورهم فيها . والثانى التقارير الأمنية التى تطمئنهم على أن كل الأمور تحت السيطرة . والثالث هو أن الإصلاح السياسي هو قضية نُخبَوية الى حد كبير لا تهم معظم المواطنين الغارقين فى همومهم المعيشية . والرابع هو الجبروت المسيطر عليهم واستخفافهم بكل من عداهم .
* * *
كان ما سبق هو حديث عن بعض أهداف النظام من التزوير الشامل الكامل للانتخابات الأخيرة .
والخطوة التالية الواجبة يجب ان تكون هى الحديث عما تنويه القوى الوطنية الشريفة فى الأيام القادمة .
* * * * *
القاهرة فى 2 ديسمبر 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق