محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
كان لدينا فى مصر مصنعا وحيدا لتربية وإعداد الشباب وطنيا وسياسيا .
و كان هذا المصنع هو الجامعات المصرية .
كان الشباب يدخلونها مادة خام ، ويتخرجون منها وقد تحول معظمهم الى كوادر وطنية مُسيَسة واعية بكل ثوابتنا الوطنية ومدركة ومستوعبة لكل هموم البلد ومشاكل الناس .
ولقد اكتسبت الجامعة هذا الدور بسبب تميزها عن المؤسسات و التجمعات الأخرى بخمسة خصائص محددة :
1) الخاصية الأولى هى انها تضم داخل أسوارها نموذجا مصغرا لمصر ، فطلابها يمثلون كل المشارب والاتجاهات والطبقات والمناطق وهو ما يمكنهم جميعا من المشاركة فى أوسع دوائر للتفاعل والحوار والمعرفة والنشاط والتدريب بشكل لن يتكرر ثانية فى حياتهم .
2) الخاصية الثانية هى ان غالبية الطلبة بطبيعة الحال متحررون من معظم المسئوليات والالتزامات والضغوط التى يعيشها باقي الناس فى المجتمع ، مما يعطيهم حرية أكبر بكثير فى الحركة والتعبير والمعارضة والغضب والتمرد .
3) الخاصية الثالثة هي ان الشاب فى هذا المرحلة من عمره يكون بكرا ( لسه بخيره ) لم تكسره الحياة بعد ، لم يتعلم أمور المرونة والمهادنة والنفاق والخضوع والخنوع والتوفيق والتلفيق وباقي قائمة اللعنات التي تصيبنا بها الحياة العملية .
4) الخاصية الرابعة هي ان ضخامة أعداد الطلبة وتجمعهم فى مكان واحد ، تجعل منهم قوة ذات شان ، و جماعة ضغط يعمل لها ألف حساب ان هى اتفقت على موقف او على قضية ما .
5) الخاصية الخامسة : هى ان الحركات الطلابية تكون عصية على العزل والحجب والحصار ، فالأولاد لهم أهل وبيوت وأحياء وقرى ونجوع على امتداد مصر كلها ، يعودون اليها كل يوم أو كل اسبوع ، يغذونها بما تعلموه ، ويؤثرون فيها ويتأثرون بها .
كما إنها عصية على التشهير التى تقوم به الدولة ضد كل معارضيها ، فهم لا يزالون صغارا أبرياء يفكرون ويتحركون على الفطرة والسجية . وأى تجريح فيهم لن تكون له مصداقية .
* * *
لكل ما سبق لم يكن غريبا أن يكون طلبة الجامعة هم طليعة المجتمع فى مظاهرات 1968 ضد أحكام الطيران ، وطليعته فى 1971 و1972 فى الضغط على النظام من أجل التعجيل بالحرب وتحرير الأرض .
ولم يكن غريبا أن تكون معظم القيادات الحالية لكافة الأحزاب والقوى والجماعات السياسية المختلفة هي ابنة و خريجة هذا المصنع العريق . تربت كلها فى ساحاته ، وبعد تخرجها واصلت أدوارها فى مؤسسات البلد الرسمية أو الشعبية ، المعارضة أو الحكومية .
* * *
ولأن الجامعة كانت هكذا مصنعا دائما للوطنية والوطنيين .
ولأن الوطنية بالضرورة ، ضد الأمريكان والصهاينة وحلفاءهم من الفاسدين وأغنياء الحرب والسلام .
ولأنها بالضرورة مع فلسطين والمقاومة والأمة العربية والإسلامية وكل المظلومين والمقهورين فى العالم .
ومع أغلبية الشعب من الناس البسطاء الطيبيين أصحاب البلد الحقيقيين .
لذا ، كان لابد للنظام المصري الأمريكى الجديد ، نظام كامب ديفيد ، وهو يعيد صياغة مصر على مقاس أمن إسرائيل ومصالح الأمريكان ، أن يقوم فورا بإغلاق هذا المصنع بالضبة والمفتاح .
وبالفعل تم تحريم وتجريم العمل السياسى بالجامعة بموجب اللائحة الطلابية لعام 1979 ، في نفس العام الذى وقعت فيه مصر وإسرائيل معاهدة السلام .
ولتأمين الوضع الجديد بالقوة ، تم تأسيس البوليس السياسي للطلبة ، المسمى بحرس الجامعة .
الذى تولى مهمة حصار ومطاردة ووأد أى تحركات طلابية داخل الحرم الجامعى .
* * *
• ومن يومها لم يعد لدينا فى مصر مصدرا مركزيا لإعداد الشباب وطنيا وسياسيا.
• بل أصبح العمل الوطني الجاد تهمة يعاقب عليها القانون .
• وتم حرمان جيل كامل على امتداد أكثر من 30 عاما من التربية الوطنية، ثم تم تجريده بالتدريج من قيم الانتماء وحب الوطن .
• وحتى أولئك الطلاب الذين تمكنوا من تحصيل تربية وإعداد وطنى وسياسى من مصادر أخرى ، أصبحوا يشعرون بالغربة والعزلة داخل الحرم الجامعى الحالى ، الذى يعاملهم وكأنهم ظاهرة شاذة أو متطرفة أو مخيفة أو ثقيلة الظل .
• وهو ما انعكس بوضوح على حالة معظم القوى الوطنية المعارضة فى المجتمع ، التى انقطع عنها المدد الجماهيري الطبيعى التلقائى ، حين كان الخريجون يواصلون نشاطهم الوطنى والسياسى فى مؤسساتها ، ويضخون دماء جديدة كل عام فى شرايينها ، مما ساهم فى إيقاف نموها وتطورها ، فانحصرت وضعفت و تقلص تأثيرها وتضاءلت قواعدها وكادت أن تندثر .
* * *
وهو ما يتوافق تماما مع الأهداف الصهيونية فى مصر ، والتى عبر عنها أحد قادتهم بوضوح حين قال : ان السلام مع مصر على المستوى الشعبى لم يتحقق بعد ، وانه على إسرائيل أن تنتظر رحيل الجيل الحالى ، وميلاد جيلا مصريا جديدا لا يعاديها .
* * * * *
القاهرة فى 16 ديسمبر 2010
هناك تعليق واحد:
ثائر من العراق الاسير
سرني ما اطلعت عليه وكانني اعيش الحياة فيما قبل الاحتلال في العراق فما قراته كنت قد عشته في عراقكم عراق الحضاره عراق الانبياء والاولياء كانت هناك الجامعات وكانت هناك مؤسسات تعني بشكل دقيق لما قراته فتلك مثلا جامعه البكر والعشرات من الجامعات الاخرى التي تعد المواهب وتصقلها خدمة للعراق وللامه العربيه وعلى ذلك جاء الاحتلال ومطايا الاحتلال من العملاء ... الى اين وصل بلدكم العراق الحبيب الان ... تعلمون وتعرفون ذلك ولا داعي للاسهاب فيه لك ياسيف الدوله كل التقدير والاحترام
إرسال تعليق